الوحدة في شخصيات موراكامي
(حينما لا نخشى الظلمة)

ربما كانت ثيمة الوحدة بتنويعاتها المتعددة من أكثر المناطق التي استهوت خيال الروائيين في عصرنا الحديث، مع قليل من التعميم المخل، يمكننا أن القول أنه قلما توجد رواية تخلو صفحاتها من شخصيات تصارع الوحدة وتكابد وحشتها وهي تشق طريقها نحو الخلاص و السلام الداخلي في فترة من ما- بغض النظر عن طول هذه المدة – على امتداد خط سير الأحداث. هذه المقالة هي سباحة في عوالم الوحدة التي نقرأها في شخوص الروائي الياباني هاروكي موراكامي.
وثيمة الوحدة في الحبكة الروائية هي محاكاة فنية لمعضلة اجتماعية قديمة و متجددة خبرها الانسان منذ وعى لوجوده كذات منفصلة ومدركة لما حولها، ثمة عدة مداخل نفسية وفلسفية يمكن التوسل بها لفهم طبيعة التفاعلات الاجتماعية التي يختبرها الفرد في وحدته متأثرا بها ومؤثرا، لكننا لن نلجأ إلى هذه الادوات الاكاديمية والنقدية - رغم أهميتها -  لندرس بها هذه الموضوعة، بل سنقف ونتجول لنرمي بعدة نظرات نلقي الضوء من خلالها على طبيعة هذه الوحدة لدى موراكامي من خلال شخوصه التي تمر بهذه التجربة بصورة فريدة في نظرنا، نحاول أن نفهمها ونستنطقها ونستمع لها في ذات الوقت، وبالتحديد سنركز على روايته الماتعة التي حملت عنوان ) تسوكورو تازاكي عديم اللون و سنوات حجه.، ثم نعرج بعد ذلك على مجموعته القصصية المعنونة ب(Men without women) .

وكماعودنا هاروكي في كثير من اعماله، فإن المونولوج الذي تنخرط فيه الشخصيات سواء كان حوار ذاتي مع نفسها أم جاء على لسان السارد، يتخذ موقعه - المونولوج- كقطعة فنية أصيلة ومكون فريد في كتابات هاروكي، لا يقل أهمية عن بقية عناصر السرد، مثل حبكة الرواية وأحداثها الشيقة لديه. وفي رحلتنا لفهم ملامح الوحدة الهاروكية نجد أن أهم سماتها هي تلك الحتمية التي تكتنفها وتجعلها قدرا لا جدوى من الفرار منه، بل ينبغي أن نتعايش معه في ليس في عزلتنا فقط، بل حتى في تفاعلنا مع أقرب الناس الينا سواء من أسرة أو زملاء أو حتى أحبة نقاسمهم رحلة الحياة نحو المجهول، الوحدة هاهنا ليست درب موحشا بالضرورة، لكنها أعادة اكتشاف للذات و وإبحار نحو أفق يتعذر على الرفقة أن توصلنا إليه

هذا ما يتضح لنا حينما يخبرنا السارد في طيات الرواية عن الصدمة التي تعرض لها تسوكورو بعد أن قررت شلته المفضلة أن تقطع معه كل الروابط دفعة واحدة وبدون تدريج، وهذه الشلة - حتى نفهم عمق الصدمة التي تعرض لها البطل - لم تكن زمالة عابرة محكومة بتقاطع دروب الحياة، ربما كان ذلك سببا في تسهيل التئام شملها في البدء، لكنها لاحقا تطورت وتشكلت وخلقت رابطا عميقا بين افراد المجموعةن حى غدت ملاذا وملجأ لكل فرد منهم في تلك الفترة من حيواتهم، بل لعلها كانت أعمق تجربة في العلاقات الانسانية على الإطلاق، يتاح لأفراد المجموعة أن يختبروها .
 وعلى ما توحي لنا به المشقة العظيمة و المعاناة القاسية التي يكابدها عديم اللون - لقب تسوكورو - في وحدته كي يتعافى من هذه الصدمة، فسير الاحداث يكشف أن بطل الرواية المنكوب - رغم كل شئ - تمكن من شق طريقه في الحياة وتحقيق حلمه واكتشاف ذاته في شوارع طوكيو المزدحمة وبين محطات قطاراتها التي طالما هام بها وأغرم بروعة تصاميمها منذ الصغر، رغم الوحدة العميقة و العزلة الضاربة بجذورها في روح تسوكورو إلا أنه تمكن من ان يصير مهندسا بارعا - كما أراد - ووجد عملا قريبا مما كان يطمح اليه.
 بل نرى سنرى لاحقا، وحينما يفتح جرح الماضي ويقرر أن يفهم ما حدث - من قطيعة تعسفية - بعد انقضاء 16 عاما على ما حدث، استجابة لي إصرار محبوبته بأنه يحتاج إلى (closure) حتى يمضيا قدما في علاقتهما،يقرر بطلنا الوحيد أن يلتقي بهم، ليخوض حوارات مواجهة مليئة بالمفاجئات و مشحونة بالعواطف المكبوتة، يلاحظ فيها الجميع كل حدة أن عديم اللون هو الوحيد ( الوحدة هنا مضاعفة) الذي حقق حلمه بينهم وعاش الحياة التي كان يطمح اليها منذ أن كان على اعتاب التخرج من الثانوية، على الأقل على مستوى ال ( career ).

وبطلنا - مثل كثير من شخوص هاروكي في أعماله المتعددة - عاشق للموسيقى الكلاسيكية وله ذائقة رفيعة تتكشف في طيات الرواية أثناء حوارتها، لكننا سنفتقد وله وهيام هاروكي بالقطط ( سواء التي كانت صامتة أو متحدثة ) في هذه العمل، وكذلك شغف شخصياته بالقراءة والاطلاع على منتوج الادب كما في رائعته ( كافكا على الشاطئ) وعمله المعنون بي (
the wind up bird chronicle )، فهذه العناصر هي زاد الوحدة في عوالم هاروكي.
ربما نجادل أن عديم اللون كان سعيش حياة اجتماعية افضل لولا انفصاله عن مجموعته، لكن احداث الرواية توضح أن وحدة الرحلة وخلوها من الرفقة كانت قدرا محتوما على كل المجموعة كما سيتضح لاحقا، خصوصا حينما يخبرنا (أو) بصورة مفاجئة وغريبة أنه لم يجد مثيلا لتلك الرابطة العميقة والمحبة الصادقة التي تتخلل الروح ويعتبق بها الوجدان بعد تشتت مجموعته، حتى بين زوجته وأبنائه.
ورغم أن تسوكورو فارق مراتع صباه في مدينة ناغويا قاصدا المدينة الأكبر طوكيو، فناغويا هي الأخرى مدينة حديثة، بها ما بالمدن من اشكاليات عميقة مثل الاغتراب عن الذات، واضطراب التواصل الاجتماعي الذي يلقي بظلاله على ادارك الفرد المتمدن لهويته في هذا العالم المزدحم وذوالايقاع السريع.

ومن هنا نعود لرؤية هاروكي للوحدة كقدر حتمي في حياة المدن يتعذر على الافراد الافلات من براثنه، لكنه كذلك وفي ذات الوقت ضرورة للذات حتى تدرك نفسها وتصير واعية بفرادتها وتميزها، مثلما يحدث كذلك حينما نتصل بالاخرين فنحن ندرك أنفسنا وننظر لي أرواحنا من خلال أعين الرفاق، وهذه الرحلة التي تسلكها الذات بين وحشة الوحدة وأنس الرفقة في المدن الحديثة، تذكرنا بمفهوم العزلة ومقاماتها في ميراث المتصوفة كمحطة في طريق الترقي، إذ رغم قسوة وطأتها على السالك إلا أنها تسهم في نضجه و تطهيره من أدران النفاق وتعينه على تهذيب سلوك النفس صعودا إلى مراتب الصالحين، هاهنا لا تعود الوحدة مرادفة في وعينا لي الاستيحاش، بل ينقلب الأمر إلى نقيضه لتحمل الوحدة في طياتها أنسا مختلفا عما ألفناه،
 ربما كانت بعض مقاطع أغنية ( the spectre ) هي أنسب تعبير عما نحاول توضيحه في باسهاب في هذه السطور
Is this a place that I call home
To find what I've become
Walk along the path unknown
We live, we love, we lie
Deep in the dark I don't need the light
There's a ghost inside me
It all belongs to the other side
We live, we love, we lie

وتوافقا مع الحكمة الشعبية التي تقول " سمح الغنا فيخشم سيدو" فليس أفضل ممن يحدثنا عن عن حتمية الوحدة لدى هاروكي سوى الراوي العليم الممسك بناصية السرد في هذا العمل حينما يقول"فكّر تسوكورو في أن حياتنا مثل معزوفة موسيقية معقدة، مليئة بجميع
أنواع الكتابة المشفرة، والألحان الستة عشر والنوتات الاثنتين والثلاثين
والعلامات الغريبة غيرها، ولهو من ضروب المستحيل أن تُفسَّر ذلك وعزفه بشكل
صحيح، وحتى لو استطاع أحد ما ذلك، وثم حوّل ما فك شفرته وعزفه
بالأصوات الصحيحة، فليس هناك ما يضمن أن الناس سيفهمونه بشكل
صحيح، أو سيقدرون المعنى الكامن فيه".
أما المجموعة القصصية التي حملت عنوان (Men without women) فتتكون من سبعة قصص قصيرة تدور حول فقدان المحبوبة، تتنوع طبيعة العلاقات التي تربط كل محب بمحبوبته في هذه القصص، لكننا سنلقي نظرة مقتضبة على ماهية الوحدة التي تختبرها هذه الشخصيات في قصتين، وبأقل قدر ممكن من التفاصيل حتى لا نحرق الاحداث لمن يرغب في قراءة المجموعة.
تدور أحداث القصة الأولى بين ممثل يستأجر سائقة خاصة لقيادة سيارته وانجاز مهمة إيصاله إلى مواقع عمله، يسود الصمت بين الممثل والسائقة لعدة أسابيع، نظرا لانشغال الممثل بمراجعة نصوصه التي سيؤديها أثناء القيادة، إضافة إلى ضمور رغبته وانغلاق شهيته منذ سنوات في التعرف على الناس وخصوصا النساء بعد وفاة زوجته.
لكن طول الملازمة الذي يجمع بين ممثلنا وسائقته يساهم بدفع العلاقة بينهم ليبدأ حوار عميق يفتح فيه الممثل قلبه بصورة عفوية وهو يجاوب على سؤال تطرحه عليه السائقة الشابة في إحدى المرات، وبينما يسهب الممثل في اجابة السؤال يتضح لنا عمق الوحدة التي يعيشها بعد فقدان زوجته، فقد كانت حبيبة وصديقة وشريكة له في ذات المهنة كما ذات المسكن على امتداد سنوات زواجهما العامر بالمحبة والحنان، لكن تتبدى المعضلة حينما يعجزعن مواجهتها بحقيقة خياناتها المتعددة التي يكتشفها أثناء صراعها مع مرض السرطان، لتفارق حياته دون حدوث مكاشفة بخصوص هذه الامر.
يعيش بعد ذلك الممثل ليحمل حزنه وشكوكه وألمه لعدة سنوات، يكابد هذه المشاعر المتناقضة والمتنازعة، ونظرا لقوة العلاقةالتي ربطتهم،فهو لا يعجز عن أن يغفر لها ما اقترفته في حقه، فالمحبة الصادقة تعيننا على الصفح و الغفران، لكنه في المقابل يفشل في إدراك السبب الذي دفعها نحو الانغماس في هذا النوع الخطير من العلاقات، كامرأة متزوجة ومحبة لزوجها، أو على الأقل هذا ما كان يظنه.
 وعلى امتداد هذه الحوارية بكل تفاصيلها يتجلى لنا ألف الوحدة التي يعيشها الزوج بعد موت زوجته، فهو لا يشعر أبدا بحوجة ماسة إلى شريك عاطفي يقاسمه حزنه و شكوكه بخصوص ماضيه، وخوفه وقلقه بخصوص مستقبله كما هو متوقع لمن يمر بهذا النوع من التجارب، بل يسير بتؤدة و تمهل دون أن ينتكس في مواجهة روتين حياته اليومي.
لكن - كما في كل حوارية ماتعة - فإننا ندرك ذاتنا ونكتشف أنفسنا ونحن نستمع لما يقوله محدثنا، وهذا ما يتضح لنا حين تعلق السائقة التي تلعب دور المستمع المنصت في هذه القصة على بعض تساؤلات الممثل المنثورة في ثنايا قصته التي يرويها على لسانه، خصوصا حينما تشتد أحداث القصة غرابة وهو يحكي لها عما فعله في سبيل الحصول على إجابات شافية عن الاسئلة التي رحلت برحيل زوجته، الشخص الوحيد الذي يحمل هذه الاجابات!
حيث يقرر الزوج بكل غرابة أن يصادق آخر عشاق زوجته قبل رحيلها، ثم يلتقيان لعدة أشهر ويخوضان عدة حوارات هادئة وعميقة يحاول فيها الزوج – الذي يتظاهر بعدم معرفته بالعلاقة امام العشيق ويبتلع حنقه وغصته - أن يستخرج بعض الاجابات للتساؤلات التي أرقته، من خلال أريحية الصداقة التي بدع الممثل في مد بساطه لغريمه العشيق، إضافة إلى استغلال الطمأنينة التي يتركها الشراب على مزاج العشيق القلق والحزين.
ينهي الزوج هذه الصداقة الزائفة بعد ان يدرك أنه لن يصل إلى الاجابات التي يسعى إليها، لكن في تلك الحوارات الهادئة تظهر مرة أخرى لمحة بارزة لفلسفة هاروكي حول الوحدة وأهميتها في التصالح مع الآخر، هذا الصالح هو خطوة أخرى نحو الذات كوسيلة للوصول إلى السلام الداخلي، هذا التصالح الذي لا يمكن تحقيقه من إلا من خلال نظرة عميقة وصادقة إلى أنفسنا، وهذه نظرة - وفقا لقرائتنا لهاروكي- لا تتأتى للفرد إلا حينما يختلي بذاته بعيدا عن جلبة التواصل الاجتماعي وثقل العلاقات التي تشكلنا و نشكلها بذات القدر، بكلمة أخرى فهذه هي خلاصة العزلة الصوفية التي تعبر عن نفسها في المدينة كوحدة أليفة لابد للفرد أن يختبرها حتى يدرك ذاته ويوسع أفق هذا الإدراك ويتصالح معها ومع الآخرين في نهاية المآل، ونورد هاهنا اقتباسا على لسان العشيق تتضح من خلاله المقاربة التي تحدثنا عنها.
proposition that we can look into another person's heart with perfect clarity strikes me as a fool's game.I don't care how well we think we should understand them, or how much we love them.All it can do is cause us pain.Examining your own heart, however, is another matter.I think it's pos- sible to see what's in there if you work hard enough at it.So in the end maybe that's the challenge: to look inside your own heart as perceptively and seriously as you can, and to make peace with what you find there.If we hope to truly see another person, we have to start by looking within ourselves."
أما القصة الأخيرة التي مقالنا – والاخيرة كذلك في المجموعة القصصية - فهي التي كان لها شرف استخدام الكاتب لعنوانها كعنوان لكامل المجموعة ( Men without women).
تبدأ القصة بصورة مباغتة من خلال مكالمة في عمق الليل البهيم، يستيقظ على إثرها الراوي من فراشه الزوجي ليرد على تلك المكالمة، فيتفاجأ بصوت رجل جامد و حزين وجاف في ذات الوقت، يخبره المتصل أن زوجته – زوجة المتصل – قد قتلت نفسها الأربعاء الماضي وقد رأى أن يخبره بذلك على أي حال.
هكذا تنتهي المكالمة بدون شرح أو توضيح لطبيعة العلاقة التي تربط الرواي بتلك المرأة، ليعود في حيرة عظيمة من أمره في منتصف الليل، معظم أحداث القصة على خلاف الأولى تتحرك خلال مونولوج داخلي يستكشف فيه الراوي الأحداث ليفهم فحوى المكالمة و علاقته بتلك المرأة التي اخبره زوجها بانتحارها، من خلال الحوار الذاتي تتضح لنا - وللراوي - أن هذه المرأة كان حبيبته قبل أمد طويل يصعب حتى على صاحبنا استذكار أحداثه بدقة، لذلك يقرر بناء الأحداث وفقا لما يحمله تجاهها من أحاسيس لا زالت محفورة في وجدانه حتى اليوم.
من هنا نفهم جانبا مهما من طبيعة العلاقة التي جمعتهما و كنه العاطفة الملتبهة التي اشتعلت في وجدان الراوي تجاه تلك الفتاة فيما مضى، فرغم قصر فترة المراهقة التي ضمتهما معا، إلا أن عمق العاطفة التي تبادلاها في ذلك الوقت شكلت جزء من هويتهما ووسعت إدراكهما لذواتهما من خلال الأفق التي الذي ينفتح علينا من جراء ذلك النوع من العلاقات.

كان فراقهما قدرا مثلما كان لقاؤهما قدرا، قرر الراوي في ذلك الوقت أن يبحث عن محبوبته التي اختفت بغتة و من غيرا إنذار- مثل مكالمة زوجها – فقضى زمنا يتقصى ملامحها في وجوه العابرين حيثما ما ساقت خطاه، يدرك بعد ذلك أنها سافرت فينطلق نحو المنطقة التي اتجهت إليها ليكتشف أنها رحلت مرة أخرى، وهكذا يستمر في رحلة بحث مضن عن تلك الحاضرة الغائبة التي لا تفارق بسمتها خياله أينما حل، بعدها بمدة يدرك أن لقائهما مرهون بإرادة القدر وحده، ذلك القدر الذي جمعمها وفرقهما دون أن يكون لهما أدنى رأي في سير الأحداث.
يتحرك المونولوج في ذهن الراوي الذي لا ينفك متسائلا عن الدافع الذي جعل الزوج يتكلف عناء هذه المكالمة ليخبره بموتها رغم انقطاع علاقته وأخبارها عنه منذ أمد طويل يسبق حتى زواجها من هذا الرجل.
 ثم نقرأ بعض الذكريات الحميمة التي يحتفظ بها الرواي لتلك الفتاة التي يقرر أن يطلق عليها اسم
M، وبعد أن تكتمل الصورة والأحداث المحيطة بالأحجية التي بدأت بتلك المكالمة المقتضبة لرجل مجهول  الهوية بعد منتصف الليل، يدرك الراوي مقدار لوعته و حزنه لموت تلك الفتاة، غير أن هذا الحزن يأخذ طابعا أقل حدة بالنسبة للزوج الذي يشعر الراوي بالتعاطف تجاهه، ويعتبره بصدق أكثر الرجال حزنا في العالم بسبب ما حل به، مما يجعله في المركز الثاني بعده مباشرة.
يستعيد الرواي لحظة فراقه الألى و تبعاتها على روحه اليافعة ووجدانه الغض، حينما يعي ألا سبيل إلى استعادة محبوبته التي اختفت فجأة، فيدرك حينها أنه صار ينتمي إلى عالم( Men without women)
هذا الإدراك التي الذي يختبره وهو في عمق حزنه ووحدته وعزلته يعود بنا إلى حتمية الوحدة لدى شخوص هاروكي، فالرواي يدرك أن فقده ليس حظا عاثرا وقع بفعل فاعل، بل هو محطة وتجربة وجودية يختبرها كل رجل عشق و أحب امرأة بكل ما تحمله كلمة الحب من مضامين  التضحية و التفاني والاستعداد اللامنتاهي للحصول المحبوب والفناء به وفيه و من أجله، على الأقل في لحظة من اللحظات.
لذلك فإن كل ما يتطلبه الأمر لدخول عالم(
Men without women )هو أن تختبر هذا الحب الصادق ثم تفقد بعد ذلك محبوبتك، وبغض النظر عن الكيفية و الظروف فيجب عليك أن تدرك أنك لن تعود كما كنت، بل يجب عليك أن تتقبل ما فقدته، وتمضي قدما حياتك.
وهذا ما فعله الرواي كما يتضح لنا منذ بداية القصة، حيث نهض من فراشه الذي يتشاركه مع زوجته، لكنها لن لكون بديلا لما فقد، ولا ينبغي - وفقا لهذه الفلسفة – لها أن تكون، بل هي كذلك محطة أخرى في حياة زوجها مثلما قد يكون هو أيضا محطة في حياته، فكل من في آخر المطاف سيحمل عبء وحدته معه منذ البداية وحتى النهاية.
"That's what it's like to lose a woman. And at a certain time, losing one woman means losing all women. That's how we become Men Without Women"




Comments

Popular posts from this blog